بحث حول جريمة الرشوة،هي جريمة تختص في الاتجار بأعمال الوظيفة العامة وهي تستلزم وجود شخصين : موظف عام، يطلب أو يقبل عطية أو وعدا أو يتلقى هبة أو هدية أو أية منافع أخرى، مقابل قيامه بعمل أو امتناعه عن عمل من أعمال وظيفته سواء كان مشروعا أو غير مشروع وإن كان خارجا عن اختصاصاته الشخصية إلا أن من شأن وظيفته أن تسهل له أداءه أو كان من الممكن أن تسهله له، ويسمى هذا الموظف مرتشيا وصاحب المصلحة يسمى راشيا وبذلك تكون العبرة في جريمة الرشوة بسلوك الموظف لا بسلوك الطرف الآخر فتقع الرشوة متى قبل الموظف ما عرض عليه قبولا صحيحا وجادا، قاصدا العبث بأعمال وظيفته ولو كان الطرف الآخر غير جاد في عرضه، و لا تقع الرشوة إذا لم يكن الموظف أو القاضي جادا في قبوله كما لو تظاهر بالقبول ليسهل القبض على من يحاول ارتشاءه متلبسا بجريمة الرشوة.
أ- استوحى المشرع تجريمه لكافة صور الرشوة من فكرة الاتجار بالوظيفة أو الخدمة أي الانحراف بها عن الطريق السوي الذي تنظمه القوانين واللوائح، وجعلها مصدرا للكسب الغير مشروع فالاتجار بالوظيفة العامة إذن هو جوهر جريمة الرشوة كما يعتبر أو يمكن اعتباره مظهرا لركنها المعنوي.
ب- إن جريمة الرشوة تقع بحسب الأصل من (موظف عام ويتعدى فيها على أعمال وظيفته التي يجب أن تؤدى بالتطلع فقط لمقتضيات الصالح العام ويتعدى فيها على السير الطبيعي للإدارة العامة تلك هي الصورة الأساسية، لتجريم الرشوة أو هي الرشوة بمعناها الدقيق وهي على هذا النحو جريمة فاعل متعدد إذ تقتضي وجود طرفين أساسيين :
المرتشي: وهو الموظف العام الذي يتقاضى أو يطلب منفعة خاصة له أو لغيره.
الراشي : هو صاحب المصلحة الذي يقدم المنفعة أو يعد بها أو يقبل طلب الموظف بذلك نظير أداء عمل من أعمال الوظيفة ،أو الامتناع عنه أو الإخلال بأحد واجباتها ويلاحظ مع ذلك أن هناك صورا خاصة للرشوة لا يكون الفاعل موظفا عاما بل فردا من عامة الناس.
خطة بحث حول جريمة الرشوة
المبحـث الأول الاطار القانوني لجريمة الرشوة
المطلـب الأول الطبيعة القانونية لجريمة الرشوة
الثاني : الحكمة من تجريم الرشوة
الثالث : صلة جريمة الرشوة بجريمة استغلال النفوذ.
المبحـث الثاني : أركان جريمة الرشوة
المطلب الأول : إجرام المرتشي
الثاني : إجرام الراشي و الرائش.
المبحث الثالث : عقوبات جريمة الرشوة في قانون العقوبات الجزائري
المطلب الأول : عقوبة الرشوة السلبية
الثاني : عقوبة الرشوة الايجابية
الثالث : العقوبات التاديبية
الرابع :عقوبة رشوة الوسيط و المستفيد
الخـاتمـة
مـقـدمـة :
إن تحقيق العدالة الكاملة في الواقع ليس أمرا سهلا كما يبدو لنا في أول وهلة أو كما يتصوره عامة الناس، وأنما تحقيقها أمرا صعبا جدا لأنه مرهون بأمور أخرى تتعلق بطبيعة الفرد و فطرته، فالإنسان كما هو معروف مفطور على حب ذاته، وحب من هم أقرب الناس اله و هو مزود بدوافع غريزية تتميز بالعنف و الظلم و السيطرة وحب التسلط والتملك والظهور، وأنه مزود أيضا بالعقل الذي هو نور يهديه في هذه الحياة كما أنه ليس له جناحان و لكنه يطير و لا يحسن السباحة و لكنه يسافر فوق و تحت البحار، ليست له مخالب و لكنه يحفر الحفر في قشرة الأرض الصلبة، ليست له أنياب يستطيع أن يقتل كل مخلوق حي لكن إذا كان يستطيع أن يقتل كل مخلوق حي فانه قادر بدون شك، أن يقتل أفراد جنسه و يضر حتى بالمصالح العليا لأمته و هذا هو الهلاك بعينه.
وبالتالي يكون كل إنسان عرضة لأخطار و متاعب تصادفه في الحياة من مرض أو اعتزال منصب فلا بد من توفير جزء من المال ندخره لوقت الحاجة، ونحفظ به أنفسنا من الدين و المذلة، فكثير من فضائل عمادها المال فالكرم و الأمانة والإحسان والاقتصاد والطمع و الغش والنصب والارتشاء و الإسراف كلها تتصل بحالة الإنسان المالية، بل هناك فضائل و رذائل تنتج عن مال عن طريق غير مشروع .
فكثير ما يضطر المدين إلى الكذب وتحمله ديونه على تلقيف الاعتذار لدائنه ليماطله و كثيرا ما يكون الفقر سبب الإجرام و عدوا للحرية كانت هي السبب في انتشار عدة جرائم كالاختلاس وخيانة الأمانة و الرشوة، و مما لا شك فيه أن حسن سير الإدارة الحاكمة ونزهاتها من المهام الأساسية التي يجب أن تقوم بها الدولة و في سبيل الوصول إلى هذا الهدف تختار الدولة من بين أفرادها موظفين يتولون القيام بهذه المهمة لقاء أجر يحصلون عليه في صورة مراب أي حينما يؤدي الخدمة أو العمل المنوط إليه القيام به.
بحث حول جريمة الرشوة
يكون بناء على اتفاق بينه و بين الدولة و هو في أدائه لهذا الواجب إنما يلتزم الحدود التي ينظمها الاتفاق و يصفه خاصة عدم حصوله أو طلبه أي مقابل إضافي من صاحب المصلحة أو الحاجة متى لجأ إليه لقضاء حاجاته أو مصلحته و تعد محاولة الموظف استغلال وظيفته، و الحصول من صاحب الحاجة على مقابل لقضاء حاجته عملا يصيب الإدارة الحاكمة في الصميم إذ يعرقل سيرها و يشكك في نزاهتها و يجعل الحصول على الخدمة أو المصلحة، قاصرا على القادرين من المجتمع دون غيرهم .
و يترتب على كل ذلك إفساد العلاقة بين الدولة و أفرادها و الحط من هيبة موظفيها واحترامهم بالإضافة إلى أن الموظف يسلك هذا السبيل و يثرى على حساب غيره دون سبب مشروع لهذه الأسباب جميعها قررت تشريعات الدول المختلفة عقاب الموظف العام الذي يتاجر في أعمال وظيفته و يهبط بها إلى مستوى السلع بأن يطلب أو يقبل أو يحصل من صاحب الحاجة على مقابل لأجل قضاء حاجته، و تعرف هذه الصور من الفعال المعاقب عليها كما سبق ذكرها بجريمة الرشوة، فهي تعد من بين الجرائم الاقتصادية و من أخطر الجرائم الواقعة على الوظيفة و الإدارة العامة، و المضرة بالمصلحة العامة و التي تمس أمن الدولة الخارجي و الداخلي، ما حقيقتها، ما تكييفها، ما طبيعتها، شروط قيامها، صورها، وسائل القضاء عليها أو بالأحرى التخفيف من وجودها.
المبحث الأول: الاطار القانوني لجريمة الرشـوة :
بحث حول جريمة الرشوة،يقصد بالبنيان القانوني ما يستلزمه نص التجريم لقيام الجريمة قانونا ويشمل ذلك ليس فحسب. ركني الجريمة التقليديين المادي و المعنوي بل ما يتضمنه النص أحيانا من شروط أولية أو عناصر مفترضة. أو خاصة يؤثر توفرها أو تخلفها على الجريمة وجودا أو عدما.
ففكرة أركان الجريمة التقليدية لا تستوعب إذن كل بنيانها القانوني و إن كانت تمثل الجزء الأكبر فيه قليلا إذ يبقى أن نص التجريم يتطلب أحيانا لقيام الجريمة شرطا أوليا أو عنصرا خاصا أو وسيلة معينة مما قد يصعب إدراجه ضمن المفاهيم والأفكار التقليدية لأركان الجريمة بل إن لبعض الجرائم طبيعة قانونية خاصة يترتب عليها نتائج عملية هامة تستفاد من نص التجريم دون أن يسعف التقسيم الإداري لأركان الجريمة بدراستها ضمن هذا الركن أو ذلك (نذكر على سبيل المثال كونها جريمة مستمرة أو جريمة فاعل متعدد أو جريمة تبعية يعاقب عليها رغم ذلك كجريمة مستقلة عن الجريمة الأصلية) في كافة هذه الأمثلة وغيرها تتيح فكرة البنيان القانوني للجريمة دراسة كافة ما يلزم لقيامها ركنا كان أم عنصرا أم شرطا لتطبيق النص أم طبيعة قانونية خاصة ترتب نتائج عملية فمن إجماع تلك المكونات يصبح السلوك المؤثم جريمة يستحق فاعلها الجزاء المقرر في نص التجريم وتتجسد مكونات البنيان القانوني لجريمة الرشوة فيما يلي :
أ. الطبيعة القانونية للجريمة
ب. الحكمة من تجريم الرشوة ج. صلة جريمة الرشوة بجريمة استغلال النفوذ